حب الله تعالى وحمده
" والحب لله أكبر كل أمر ، وهو الولى الحميد " . بهذه العبارة قليلة الألفاظ نتعلم أن حُب الله وحمده ، هما المعراجان اللذان يعرج عليهما المؤمنون إلى كمال العبودية ، فالحب يحمله على الطاعة واسترضاء حبيبه وتوقى غضبه ، والحمد يكشف له عن موارد الإحسان التى تغمره فضلا من ربه ، حتى يحس أنه لايستطيع أن يشكرها له سبحانه ، إلا بعجزه عن شكرها ، فإن عجز عن عدها وإحصائها ، لايبلغ شكرها إلا بذلك العجز ، وإنما يكون التحدث بالنعمة مظهرا من مظاهر الإعتراف بجريانها عليه من المُنعِم المتفضل سبحانه ( وأما بنعمة ربك فحدث ) . على أننا لوقلنا أن المؤمن قد يُعَدِّد كثيرا من النعم الظاهرة له ، فإنه فيما يعدد يقف عاجزا عن الشكر لعدم استطاعته مكافأة ربه ، مهما بلغت طاعته ، لأن إيمان المؤمن بربه مثلا هو رأس النِّعم ، قدره الله له فى سوابق الأزل ، ولم يكن حينئذ المؤمن شيئا مذكورا ، فكان العجز عن الشكر هو غاية الشكر ، لذلك جاء فى كتب التفسير أنه حين قال تعالى ( اعملوا آل داود شكرا ، وقليل من عبادى الشكور ) قال سيدنا داود عليه السلام : يارب كيف أشكرك والشكر نعمة منك تستوجب بدورها شكرا عليها ( أى أن المعادلة فى الشكر لاتنتهى إلى نهاية ) ، فقال تعالى : ياداود الآن عرفتنى وشكرتنى . وهذا أشبه بما يقوله سيدنا أبو بكر الصديق فى معرفته بالله سبحانه وتعالى إذ يقول : سُبحان من لم يجعل الدليل إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته ، لذلك يقول الصالحون : لايعرفه إلا من تعرَّف إليه ، ولايُوحِّده إلا من توحد له ، أى أن معرفته سبحانه وتعالى وتوحيده لا يكونان إلا بعطائه لعبده ، فيعرفه تعالى إذا أراد أن يعرفه العبد ، ويوحده إذا أراد الله أن يكون من أهل التوحيد ، وتفسير ذلك : ليس الإيمان مايتزين به العبد من الأقوال والأفعال ولكنه جرى السعادة فى سوابق الأزل ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )كما يُفسِّر قول السيدة رابعه العدوية حين سألها سائل : هل لو تبت يتوب الله على فقالت : بل لو تاب عليك لتبت . أما ما فرق به العُلماء بين الحمد والشكر بأن الحمد لله وحده ، والشكر يكون لله ، ولعباده الذين تجرى على أيديهم نعم الله ، فيؤيده قول الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) وقوله تعالى فى الشكر ( أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير ) . أى أن الحمد لله ، حمد رب العالمين نفسه بنفسه وهو حمد له ولا ينبغى أن يكون لغيره ، وعلى ذلك تكون أل للعهد . وقد جرت سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتابعه فيها سلف الأمة الصالح أن تبدأ الخطبة بحمد الله والثناء عليه ، لذلك يُقال للأمة المُحَمَّدية " الحمادون " لكثرة حمدهم لله تعالى ، وقد بين تعالى صفات كَمَلَة المؤمنين : فقال عز وجل ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) أى بالجنة التى بشر بها المقاتلين فى الآية التى سبقتها وهى قوله تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا ...... ) الآية . والمحبون يشهدون منة الله عليهم فيما يُفقهم إليه من الطاعات ، كما يشهدون فضله فى قبولها ، والتجاوز عن عيوبها ، وهم يرون أن العبد إنما يأتى بالطاعات على سبيل العبودية والخضوع لربه ، والله يتفضل بقبولها على ما بها من نقائض . والحب لله أكبر كل أمر ، والحب كامن فى القلب لايراه إلا الله تعالى ، والمُدَّعون كثير، والصادقين أقل من القليل وما يعلمهم إلا الله . والكلام فى المحبة والمحبين يطول ، والكتاب يُقرأ من عنوانه ، ولامطمع لنا أن نبلغ ما بلغوه مع قصورنا وتقصيرنا ، وعن المحبة والمحبين قال أحد الصالحين : كلنا فى زماننا يدعى المحبة وليس له من وسائلها قليل أو كثير ، ويكفى وقوفنا فى حال المحبين من أسلافنا ، أن نعرف مدى تخلفنا ، وشعورنا بالنقص بداية السعى للكمال .